0 تصويتات
في تصنيف اسئلة دينية بواسطة (4.4مليون نقاط)
مقولة العقاد عن القراءة

أول ما يخطر على البال حين يوجه هذا السؤال إلى أحد المشتغلين بالكتابة، ل سيقول : إنني أهوى القراءة لانني أهوى الكتابة ولكن المواقع ان ال الذي يقرأ ليك وكفى هوا موصل رسائل ليس إلا.. أو هو كاتب بالتبعية وليس كاتبا بالأمان . أحد قبله قد قال فلو يسيفه كتاب آخرون لما كاتباً على الإطلاق، ولو لم يكن شيئاً لما كان عنده شيء يقوله للقراء.

 وأنا أعلم فيما أعهده من تجاربي أنني قد أقرأ كتباً كثيرة أقصد بر موضوعاتها على الإطلاق، وأذكر من ذلك أن أديباً زارني، فوجد على مكتبي بعد المجلدات في غرائز الحشرات، فقال مستغربا : مالك أنت و الحشرات؟ .. إنك تكتب في الأدب وما إليه، قاية علاقة للحشرات بالشعر، والنقد، ؟!

ولو شئت لأطلت في جوابه. ولكنني أردت أن اقتضب الكلام بفكاهة تبدو كانها جواب وليس فيها جواب.. فقلت نسيت أنني أكتب أيضا في السياسة قال نعم نسيت، والحق معك ... فما يستغني عن العلم بطبائع الحشرات رجل يكتب. السياسة والسياسيين في هذه الايام وفي الحقيقة كما قلت مراراً أن في الأحياء الدنيا من أسرار الخلق والتكوين التي تتراءى فيها وحدة الخالق وبديع صنعه ما لا نجده في غيرها من الأحياء الأخرى، فإذا اطلع القارئ على كتاب في الحشرات، فليس من اللازم اللأزب أن يطلع عليه ليكتب في موضوعه، ولكنه يطلع عليه لينفذ إلى بواطن الطبائع وأصولها الأولى، ويعرف من لم كيف نشأ هذا الإحساس، أو داك الإحساس، فيقترب بذلك من صدق الحس وصدق التعبير، ولو في غير هذا الموضوع.

كذلك لا أحب أن أجيب عن السؤال كما أجاب قارئ التاريخ في البيت المشهور : ومن وعى التاريخ في صدره أضاف أعماراً إلى عمره فليست إضافة أعمار إلى العُمر بالشيء المهم إلا على اعتبار واحد، وهو أن يكون العمر المضاف مقداراً من الحياة لا مقداراً من السنين، أو مقداراً من مادة الحسن والفكر والخيال، لا مقداراً من أخبار الوقائع وعدد السنين التي وقعت فيها . فإن ساعة من الحس والفكر والخيال تساوي مئة سنة، أو مئات من السنين، ليس فيها إلا أنها شريط تسجيل لطائفة من الأخبار وطائفة من الأرقام.

كلا لست أهوى القراءة لاكتب، ولا أهوى القراءة لازداد عمراً في تقدير الحساب، وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياةً واحدةً في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة، والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد؛ لأنها تزيد هذه الحياه من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب فكرتك أنت فكرة واحدة شعورك أنت شعور واحد، خيالك انت خيال فرد إذا قصرته عليك ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى، أو لاقيت بشعورك شعوراً آخر أو لاقبت بخيالك خيال غيرك، فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين، أو أن الشعور يصبح شعورين، أو أن الخيال يصبح خيالين كلا، وإنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات من الفكر في القوة والعمل والاستداد، والمثل على ذلك محسوس في عالم الحس والمشاهدة، ومحسوس في عالم العطف والشعور عالم المشاهدة يجلس المرء بين مالين ولكنه يرى عشرات متلاحقين في نظره إلى غاية ما يبلغه النظر في كل اتجاه وفي عالم العطف والشعور تبحث عن القوى عاطفة تحتويها نفس الإنسان، فإذا عاطفة الحب المتبادل بين قلبين لماذا؟ لأنهما لا يحسان بالشيء الواحد كما فالي يحس به سائر الناس

لا يُحسان به شيئاً ولا شيئين، وإنما يُحسان به اضعافاً مضاعفة لا تزال تتجاوب وتنمو مع التجاوب إلى غاية ما تتسع له نفوس الأحياء. وهكذا يصنع التقاء مرآتين، وهكذا يصنع التقاء قلبين فكيف بالتقاء العشرات من المرائي النفسية في نطاق واحد ؟! وكيف بالتقاء العشرات من الضمائر والأفكار ؟!

إن الفكرة الواحدة جدول منفصل أما الافكار المتلاقية فهي المحيط الذي تتجمع فيه الجداول جميعا والفرق بينهما وبين الفكرة المنفصلة كالفرق بين الأفق الواسع والتيار الجارف وبين الشط الضيق والموج المحصور. وقد تختلف الموضوعات ظاهرا أو على حسب العناوين المصطلح عليها ولكنك إذا رددتها إلى هذا الأصل كان أبعد الموضوعات كاقرب الموضوعات من وراء العناوين أين غرائز الحشرات مثلاً من فلسفة الأديان.

اين فلسفة الأديان من قصيدة غزل وقصيدة هجاء؟ وأين هذه القصيدة أو تلك من تاريخ نهضة أو ثورة؟

وأين ترجمة فرد من تاريخ امة ؟ ظاهر الأمر أنها موضوعات تفترق فيما بينها افتراق الشرق من الغرب، والشمال من الجنوب، وحقيقة الأمر أنها كلها مادة حياة، وكلها جداول تنبثق من ينبوع واحد وتعود إليه. مركز الحشرات بحث في أوائل الحياة.

وقصيدة الغزل أو قصيدة الهجاء قبسان من حياة إنسان في حالي الحب والنقمة ونهضة الأمم أو ثورتها هما جيشان الحياة في نفوس الملايين وسيرة الفرد العظيم معرض الحياة إنسان ممتاز بين سائر الناس. وكلها أمواج تتلاقى في بحر واحد، وتخرج بنا من الجداول إلى المحيط الكبير. ولم أكن أعرف حين هويت القراءة أنني أبحث عن هذا كله، أو أن هذه الهواية تصدر من هذه الرغبة، ولكنني هويتها، ونظرت في موضوعات ما أقرأ فلم أجد بينها من صلة غير هذه الصلة الجامعة.

لا أحب القراءة لانني زاهد في الحيافا ولكنني أحب القراءة لأن حياة واحدة لا تكفيني، ومهما ياكل الإنسان، فإنه لن يأكل بأكثر من معدة واحدة، ومهما يليس فإنه لن يلمس على غير جسد واحد، ومهما يتنقل في البلاد فإنه لا يستطيع أن يحل في مكانين ولكنه بزاه الفكر والشعور والجمال يستطيع أن يجمع الحيوات في عمر واحد، ويستطيع أن يضاعف فكره وشعوره وخياله كما يتضاعف الشعور بالحب المتبادل، وتتضاعف الصورة بين مرآتين .

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (4.4مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
مقولة العقاد عن القراءة

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
1 إجابة
0 تصويتات
1 إجابة
مرحبًا بك إلى بيان العلم ، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...